يكشف طلاس أن رفعت كان "يدغدغ أحلام المتعصبين طائفياً بأن وعدهم أنه سيقيم الدولة العلوية هناك كما أقام اليهود الدولة العبرية في فلسطين، وكما كان غلاة المتعصبين من الموارنة يحلمون بإقامة الدويلات الطائفية التي ستدور في فلك إسرائيل قولا ًواحداً ". ويبدو أن رفعت تشجع في مشروعه لعلمه أن "اميركا سوف ترحب بالفكرة لأنها مع أي تفكك للأمة العربية". وبدأت تظهر على جدران اللاذقية عبارات تمجد شخص رفعت مثل "رفعت الأسد الشمس التي لا تغيب". وبدأ أنصاره ينصبون "الحواجز الطيارة لإشعار المواطنين أنهم موجودون بقوة على الساحة". ويبدو أن قصد رفعت من السيطرة على مسقط رأس الرئيس، بحسب العماد طلاس، أن يقول للعالم: "إذا كان أخي لا يستطيع السيطرة على المحافظة التي ولد فيها فهو بالأحرى غير قادر على السيطرة على باقي المحافظات . حافـظ ينفي أخـاه رفعت : في أواخر نيسان (1984م) تيقن العميد رفعت أن ميزان القوى قد مال لصالح شقيقه ( حافظ) فاتصل بشقيقه جميل الأسد ليمهد له المصالحة مع أخيه الرئيس. ومع أن الرئيس الأسد معروف عربياً ودولياً بأنه سيد من أتقن فن لعبة عض الأصابع فقد كان ينتظر بفارغ الصبر انهيار رفعت، وهذا لأن الأخير سيد من ابتز أخاه وغير أخيه. إذ ما إن وافق على الخروج من سوريا حتى بدأ يساوم على المبلغ الذي يحتاج إليه للإقامة شهوراً عدة خارج البلاد حتى تهدأ العاصفة. هذا مع أن الأمير( ..... ) كان يدفع له شهريا (5 ) ملايين دولار، كما لم يقصّر معه الشيخ خليفة آل ثاني ومثله ياسر عرفات والشيخ سحيم آل ثاني...إلخ. طلب رفعت مبلغاً كبيراً بالقطع النادر لم يكن متوافراً في المصرف المركزي، فخطر للرئيس الأسد أن العقيد القذافي يمكن أن يكون الشخص الذي يحل المشكلة ويؤمّن المال اللازم لإشباع فم أخيه وحين التقاه موفد الرئيس كان القذافي والحمد لله بمزاج حسن، وتذكر مواقف الأسد القومية في دعم الثورة الليبية ومؤازرتها، ورد على رسالة الأسد رد اًجميلاً، وتم تحويل المبلغ بكامله إلى المصرف المركزي، وأعطى الرئيس شقيقه جزءاً منه وبقي الجزء الآخر احتياطا للطوارئ الاقتصادية التي كانت تعصف بنا. وتم تحجيم سرايا الدفاع وعُُيِّن رفعت نائباً لرئيس الجمهورية مسؤولاً عن شؤون الأمن. واستمر في هذا المنصب حتى عام (1998م) . غير أن تعيينه كان نظرياً لأن الرئيس الأسد أحرص من أن يسلّم أمنه الشخصي وأمن البلاد لرجل لا يتقي الله بوطنه ولا بأهله. وتضمن الاتفاق أن يسافر رفعت إلى موسكو ومعه اللواءان شفيق فياض وعلي حيدر، وليطمئن رفعت أن الطائرة لن تنفجر في الجو طلب أن يسافر معهم رئيس إدارة المخابرات الجوية اللواء محمد الخولي . ووافق رفعت الذي اختار أن يقبل تعهد حافظ بأن مصالحه وأرصدته سوف تحترم في حالة سحب قواته من العاصمة ومغادرة البلاد عام 1984م ( انتهى كلام طلاس ) . يقول باترك سيل : أمضى رفعت ثلاثة أيام في المشفى مع أخيه بلا نـوم ، وقد صعق لمرض أخيـه ، ومن سريره أرسل حافظ الأسد أمرأً بتشكيل لجنة سداسية من : مشارقة ، خدام ، الأحمر ، الشهابي ، الكسم ، وطلاس . لتدير البلد في غيابه ، والغريب أنه لم يجعل أخاه رفعت واحداً منهم . واتجه قادة البلد العسكريين إلى رفعت بحثاً عن قيادة ، لأنهم رأوا أنه أفضل من يحمي النظام ، باعتباره شقيق الأسد ، وقد انتصر على الإخوان المسلمين ، أكبر خطر داخلي ، ورأوا فيه أنه سوف يخلف أخاه ، ويبقى كل منهم في مكانه . ولم يوافق كبار الضباط على هؤلاء الستة ، الذين لم يروا فيهم سوى موظفين تنفيذيين موهوبين ،وليسوا دعائم للنظام . وبناء على تحريضهم قام الشهابي وخدام بزيارة رفعت ، ليخبروه أن رجلاً مثله لايمكن إبعاده في مثل تلك اللحظات عن المجالس الحاكمة في البلد ، أما رفعت فقال إنه يمتثل لرغبات الرئيس الذي لم يجعله أحد الستة . ولكن سرعان مااقتنع رفعت معهم ثم عقد اجتماعاً كاملاً للقيادة القطرية لم يغب عنه سوى حافظ الأسد ووزير إعلامه أحمد اسكندر الذي كان على فراش الموت . وقررت القيادة القطرية أن تجعل من نفسها بديلاً عن اللجنة السداسية ، وكانت هذه طريقة أنيقة متقنة لجلب رفعت . ولما علم الأسد وهو في النقاهة سخط سخطاً شديداً لأن أي انحراف عن الطاعة الكاملة الخالية من أي تساؤل كان يثير شكوكه ([6]) . فاستدعى كبار ضباطه ووبخهم على الابتعاد عن تنفيذ رغباته الصريحة ، وبذلك فتحوا الباب لأخطار غير متوقعة : أولم يروا أن دفع رفعت إلى المقدمة كان خطة أميركية ـ سعودية لإزاحته عن الحكم ([7]) ؟ ولما مرض حافظ في نوفمبر (1983) ، وتجمع الضباط حول رفعت ، فجأة ظهرت في كل مكان في العاصمة دمشق ، صورة لرفعت تظهره في أوضاع قيادية آمرة وقد ارتدى زي المظليين . يكبر حافظ رفعت بسبع سنين ، وكان يرغم أخاه المتمرد الأصغر على احترامه ، وكان رفعت يشبه حافظ في البنية الجسدية القوية ، والذكاء اللامع ، ولكنه يختلف في أنه أكثر ضحكاً من حافظ ، وميال للمتع ومندفع ، وكريم إلى حد الإفراط ، وبينما انهمك حافظ بكرسيه مشغولاً في شؤون الدولة كلياً ، انهمك رفعت في بناء سرايا الدفاع ، كجنود مخلصين له ، وكان رفعت يمار س سلطات مطلقة ، وقد أثرى هو وأصدقاؤه الحميمون ، كما كان يذهب في مهمات سرية إلى الأصدقاء والأعداء على السواء ، ويشترك في مشاريع أخرى يحيط بها الظلام والضباب في عالم السياسة والتجارة في البلاد العربية ([8]). بعض أملاك رفعت أسـد عام (1994م) : 1ـ كازينـو ضخـم في إيطاليـا . 2ـ فنـدق خمسـة نجـوم في مرسـيليا . 3 ـ مصــنع إسـمنت في بيـروت . 4 ـ دار نشـر في باريـز . 5 ـ امبراطورية إعلاميـة في لندن ، منها قناة ( a.n.n) ، وغيرها محطات راديـو متعددة . 6 ـ اســهم في شـركة نفـق بحر المانـش بين فرنسـا وبريطانيا ، وهو من أوائل أغنياء العالم المساهمين في هذه الشركة . 7 ـ عـقارات سـكنية في سـويسرا وفرنـسا . 8 ـ مجمع سـكني في إسـبانيا كلف بناؤه ( 60 ) مليون دولار . 9ـ كان يملك ميناء خاصاً في اللاذقيـة قبل أن دمـره بشار الأسد في عهد أبيه حافظ. 10 ـ طائرة خاصة أو أكثر من طائرة ، تنقله مع أفراد حاشيته في قارات العالم . 11ـ وصلت فاتورة إقامته الشهرية مع حاشيته (100 ـ 150 ) شخصاً ؛ وصلت إلى خمسة مليار فرنك فرنسي ، دفعتها الخزينة السورية عدة سنوات . 12 ـ خسـر رفعت أسـد في ليلة واحدة على موائد القمار ( 8) مليون دولار . في الوقت الذي وصل فيه التضخم في سوريا إلى مائة في المائة ، وعجز المواطن الشريف عن تأمين خبز أولاده وطعامهم . رفعـت أسـد في نظـر بعض أنصاره الآن : يقول الدكتور خليل أحمد الحسن أحد أعضاء رابطة الخريجين التي شكلها رفعت الأسد وأراد منها حزباً خاصاً بـه في داخل حزب البعث ، يقول : لم تظهر خلافات رفعت مع النظام السوري في عام (1984م) ، وإنما وصلت إلى القشة التي قصمت ظهر البعير في ذلك العام ، فمنذ سنوات ورفعت يختلف مع النظام السوري بما يلي : 1 ـ لم يكن واثقاً من إخلاص الحزب للعملية الثورية التي يريدها ، لذلك شكل ( رابطة الخريجين الجامعيين ) من البعثيين أنصاره الذين وصل عددهم إلى (22) ألفاً ، صاروا منافسين لحزب البعث ، واستمرت هذه الرابطة حتى نفي رفعت من سوريا عام (1984م) فحلت يومذاك . يقول طلاس : أسس العميد رفعت الرابطة بعد نيله الإجازة في التاريخ عام 1974، وذلك كي تكون "مظلة قانونية لعمله". وقد برر تشكيلها أمام أخيه الرئيس بجعل "متخرجي الدرسات العليا موالين للنظام". لكن "لم يبق انتهازي أو متسلق أو متطلع إلى السلطة أو التقرب من وهجها إلا وانخرط فيها"، بحسب الكاتب 2 ـ قام رفعت بعدة رحلات للاتحاد السوفياتي ، وكان يزداد كرهاً للاشتراكية في كل مرة يرى فيها الفقـر والتشرد والقهـر والظلم ، وصار يصرح بذلك حتى اعتبره الاتحاد السوفياتي عميلاً للغرب ، وطلب من الحزب الشيوعي السوري مهاجمة رفعت إعلامياً . 3 ـ ويقول ( حارث الخيـّر ) وهو من أنصار رفعت بل من أزلامه : إن رفعت أسـد سيقوم بحركة تصحيحية ضـد الحركة التصحيحية التي قام بها حافظ الأسـد عام (1971م ) . 4 ـ ثم يقول الدكتور خليل : جعل حافظ الأسـد وأزلامـه رفعت الأسـد مسؤولاً عن الفسـاد في سوريا ، وحذروا البعثيين منـه ومن جماعة رفعت وجعلوها مساوية لجماعة الإخوان المسلمين في الخطر على النظام السوري . وكان رفعت يعارض سياسات أخيه حافظ في عدة أمور منها : 1ـ اعتماد سوريا أكثر من اللازم على السوفيات ، وبُعدها عن أمريكا . 2 ـ تورط سوريا في لبنان . 3 ـ يعارض دعم المنشقين عن فتح مثل أبي موسى وأبي نضال . 4 ـ ويعارض التحالف مع إيران ويقول ماذا يختلف هؤلاء عن الإخوان الذين قاتلناهم في سوريا ، كيف يمكن للنظام أن يتبع سياسة في حماة وأخرى مختلفة عنها في طهران !!؟هل كان الصراع ضد الإخوان المسلمين صورياً أم عقائدياً !!!؟ ويقول رفعت : إننا نتحدث عن الحريـة ، ولسنا أحراراً إلا في أن نأكل ونتزوج فقط . وفي (28 /5/1984) أرسلت طائرة محملة بسبعين من كبار الضباط (!!!!!) إلى موسكو لفترة تهدأ فيها النفوس ، وكان من بينهم رفعت الأسـد ، ولما أعلن بعضهم خوفـه على النظام قال له حافظ : لاتخافوا على النظام بل خافوا على أنفسكم . ثم تم استدعاؤهم جميعاً ماعدا رفعت ،وفي (5/6) وصل رفعت إلى جنيـف ، وكان يرافقه أكثر من مائة ، وقيل مائتين من حراسه ومساعديه ، وهده حاشية باهظة التكاليف تكفل القذافي بتمويلها كي يبقى رفعت في الخارج . وفي أيلول (1984) انتقل رفعت مع بقية طاقمه ـ بعد أن عاد الكثير منهم إلى سوريا ، انتق رفعت إلى فرنسا . وظل رفعت محتفظاً بلقب (نائب رئيس الجمهورية ) ، وفي (26/11) زار رفعت دمشق ، وزار القصر الجمهوري ، وركـع وقبل يـد أخيـه ـ ولكن أخـاه لم يسامحه ([9]) .ومنع من زيارة سرايا الدفاع ، وفي المؤتمر القطري (يناير 1985 ) وحضره رفعت لأنه عضو قيادة قطرية، تعرض رفعت لكثير من النقد والهجوم ، وكان بمثابة من يقف في قفص الاتهام ز وفي هذا المؤتمر منحت الصلاحية لحافظ الأسد كي يعين اللجنة المركزية كيفما يريد ، التي تنتخب القيادة القطرية . وبعد ثلاثة أسابيع انتخب حافظ رئيساً للجمهورية للمرة الثالثة بنسبة (97ر 99) . وفي مايو (1986 ) قام رفعت بزيارة غير معلنة لبريطانيا ، وقد سبقه أربعة من حراسـه الشخصيين مسلحين يحملون جوازات سفر مغربية ، وهبطت بعدهم طائرتان خاصتان تحملان رفعت وأفراد عائلتـه ( زوجاته وأولاده الصغار ) والخدم والحشم ورجال الأمن وكان مجموعهم أربعين شخصاً معظمهم يحمل جوازات سفر مغربية . وصار حافظ الأسد وأزلامه يرمون كل فساد حصل في سوريا على رفعت الأسد ، وقد تبين أن هذا غير صحيح ، لأن الفساد استمر بل ازداد بعد خروج رفعت من سوريا عام (1984م) . وأخيــــراً : والآن يحاول رفعت استلام حكم سوريا بشتى السبل ، حتى أنه عرض على الصهاينة أن يساعدوه مقابل أن يقيم معهم علاقات تطبيع كاملة ، من سفارات وتبادل تجاري وثقافي ، كما عرض نفسـه على أمريكا وتعهد أن يقدم لها كل ماتريده ، كما حاول أن يكذب على المعارضة السورية في الخارج ، ومنها جماعة الإخوان المسلمين مدعياً أنه ليس مسؤولاً عن مذبحـة حماة ، وأن شقيقه حافظ هو المسؤول الأول والأخير عنها . ومن نعم الله أن القاسم المشترك الوحيد ( كما يبدو لي ) بين المعارضة والنظام حالياً هو رفـض رفعـت أسـد المجرم الذي عـرف القاصي والدانـي جرائمـه في سوريا ولبنان وغيرهما . وأسـأل الله عزوجل أن يمكن الشعب العربي السوري من هذا اللص المجرم الذي قتل عشرات الألوف ، والذي نهب مليارات الدولارات من الشعب السوري ، وأن يحجز الشعب على ثروتـه ويردها إلى خزيـنة الشعب السوري ، والله على كل شيء قدير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق